عربينا

تساؤلات المغترب حول العربيه في المهجر

لا احد يجيد قواعد اللغه العربيه

ارسل لي صديقي ردّاً على مقالي السابق دعايةً لمشروع موقع الكتروني لتعليم اللغه العربيه بطريقه “سهله” وتفاعليه. والسياق بالطبع هو تفنيد دعوى ان العربيه لغه صعبه التعلم.

بعد النظر، انا اوافق على ان ذلك المشروع وامثاله مشاريع لها ايجابياتها وتستحق الاحترام. ولكنها لا تجيب على الدعوى التي اثرتها بل على العكس فهي تدعم نظريتي في ان هناك مشكله حقيقيه بحاجه لحل جذري. فتلك المشاريع موجّهه للطفل او الشاب العربي في موطنه (لا الاجنبي المهتم بتعلم العربيه مثلا). والسؤال: لماذا يحتاج العربي لقالب دراسي حتّى  يتمكن من القراءه والكتابه بلغته الام اصلا؟؟ اليس المفروض (بعد اتقان الهجاء اي رسم الالفاظ بالقلم) ان يقرأ الشاب العربي ويكتب العربية بطلاقه وعفويه دون الحاجه الى  مدارس او مواقع الكترونيه او مشاريع مبتكره؟

والجواب في نظري: بلى. ولكن اللغه العربيه المكتوبه تعيش محنه معاصره، من اعراضها ان العرب انفسهم ما باتوا يجيدونها.

اقول اذا وانا ادرك ان هذا ادّعاء كبير:

لا يجيد العرب انفسهم قواعد اللغه العربيه المكتوبه!

وانا لا اعني هنا العرب المغتربين فقط، بل حتى العرب الاقحاح المنغمسين في عمق الحضاره العربيه عمليا وجغرافيا واجتماعيا! وليس المقصود هنا قواعد الاعراب اومصطلحات النحويين. فلا يعنيني مثلا اذا كنت لا تعرف “البدل” من “الحال” او لا تستطيع ان تميّز اسم المفعول او صيغه التصغير او جمع المؤنث السالم او لا تستطيع ان تذكر”الاسماء الخمسه” (وعددها ستّه لا خمسه على فكره). فكل هذه اصطلاحات ابتكرها العرب لمساعده الاعاجم على تعلم العربيه. اما العرب الاقحاح انفسهم فكانوا دائما بغيرحاجه لقواعد ممنهجه، فهم يتقنون العربيه على السليقه ويطبقون كل تلك القواعد عمليّا بعفويه من دون ان يقعًد لهم احد القواعد ويعطيها اسماء واصطلاحات.

امّا العرب اليوم، فلا يجيدون لغتهم المكتوبه لا على السليقه ولا حتّى بعد سنين على مقاعد الدراسه يتلقنون فيها قواعد العربيه كما اعدّها اجدادهم لتعليم الاعاجم. لا استثني هنا احدا من العرب ولا حتّى نفسي بالطبع فانا كثير الخطأ في النحو والقواعد التى اعرفها ناهيك عن التي لا اعرفها. هو تصريح قد يبدو فيه نوع من الغلّو في الظاهر، ولكن ارجو ان تتضح الفكره عبر الامثله التي ساسردها عليكم.

فالواقع انك لا تكاد تقرأ صفحه واحده من نتاج جيل العرب المعاصر الا وتجد عدّه اخطاء نحويه اذا دققت النظر. هذا لا ريب فيه بالنسبه لكتابه العوام من الناس كتعليقات القراء على الصحف الالكترونيه او المنتديات على الانترنت وغيرها.

تجربه ذهنيه: لو اتينا بعيّنه عشوائيه من شوارع اي مدينه عربيه اليوم، كم برأيك ستكون نسبه المتقنين للقواعد الكتابيه التاليه:

  • استعمال صله الوصل المناسبه: “الذين” للجمع، مقابل “اللذين” للمثنّى
  • استعمال صله الوصل المناسبه: “الذين” لجمع المذكر، مقابل “اللاتي/اللواتي/اللائي” لجمع المؤنث
  • الاستعمال الصحيح ل”نعم” و”بلى”
  •  املاء الاحرف غير الملفوظه مثل الف الجماعه في “لعبوا” او الواو في “عمرو”
  • تشكيل اواخر الممنوع من الصرف: “سلمّت على رجبٍ ويزيدَ”
  • املاء العدد ٨ في حال التذكير/التأنيث والرفع/النصب/الجر: “ثمانيه، ثماني، ثمانِ”

ولكن المشكله لا تقتصر على نطاق العوام بل تتعدّى ذلك فتطال الكتّاب المحترفين من الطبقه المتعلمه المثقّفه {intelligentsia} كالصحفيين والكتاب والمفكرين الاقحاح. اليك بعض الامثله التي وجدتها للاخطاء النحويه المنشوره على صفحات اكثر الصحف الالكترونيه شهره، عن طريق بحث استغرقني خمس دقائق:

ايلاف 3/23/2015:
“وقالت ان السلطات والأجهزة المعنية ستمنح قوة لاغلاق المساجد التي يستخدمها المتعصبين الإسلاميين
الصواب:المتعصبون الاسلاميون (فاعل مرفوع)
 
الجزيرة 3/23/2015:
“وفي وقت سابق، منح مجلس الامن بن عمر تفويضا بتحديد مكان انعقاد الحوار اليمني الذي يهدف للخروج بالبلاد من أزمتها.”
الصواب: “منح مجلس الامن ابن عمر” فالرجل اسمه “جمال بن عمر”، واذا حذفنا “جمال” وجبت الالف في “ابن عمر”
 
العربية 3/23/2015:
“يذكر أن التحالف الدولي ضد تنظيم داعش المتطرف، يضم بقيادة الولايات المتحدة 62 بلداً، بينها العديد من الدول العربية كالأردن.”
الصواب: “بينهم العديد من الدول” لأن “بلد” لفظ مذكّر. وانما المؤنث “بلدة”
 
“إنفجار بأسطوانة غاز أمام إحدى المستشفيات بالإسكندرية‏”
الصواب: “احد المستشفيات” لأن المضاف اذا اضيف الى جمع مؤنث سالم او جمع تكسير، يذكّر ويؤنث حسب المفرد منه: “احد الذكور” مقابل “احدى الاناث”
 
 
وهذه اخطاء نحويه واضحه للعيان وفقا لقواعد العربيه المعاصره التي لا يختلف عليها اثنان، فأما ان التزمنا بخبايا القواعد النحويه القديمه غير المفعّله عمليّا في الحاضر، او ما يسمى اليوم ب”فصحى التراث” لوجدنا اننا لا نكاد نقرأ في ايّ وسيله اتصال مكتوبه جمله واحده تخلو من الاخطاء النحويه. وبالمثال يتضح المقال:
 
 
العربية 3/11/2015:

“نتنياهو يحذر من خطر حقيقي إذا خسر الانتخابات”

الصواب: إن خسر الانتخابات. لأن “اذا” المرتبطه بظرف زماني لا تفيد معنى الشرطيه {if} وانما تفيد معنى الظرفيه “عندما” {when} كما في “والليل اذا يغشى” او “فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعه”

وفي القرآن:

إن كنتم تحبون الله فاتبعوني {if}

إذا فرغت فانصب {when}

 
 
البوابه 2/27/2015:

“إسرائيل تستبدل تقنين الكهرباء في الضفة الغربية باقتطاعات من الأموال المجمدة”

الصواب: “تستبدل الاقتطاعات بتقنين الكهرباء” لان الباء تقترن بالشيء المتروك كما في “القاضي العادل يستبدل الحق بالباطل”

الاهرام 3/22/2015:

3″ طرق رئيسية لخدمة العاصمة الإدارية الجديدة وربطها بالمحافظات”

الصواب: “3 طرق رئيسه” لأن النعت المناسب “رئيس” وليس من كلام العرب في التراث “رئيسيّ”

 
ناهيك عن:
  • الخلط الدائم بين الهاء والتاء المربوطه، الذي لا يكاد يأبه به احد اليوم، ولا حتّى من هو دائم الانتباه لقواعد اللغه مثلي
  • تصريف فعل الامر من اللفيف المفروق
  • استعمال “هاء السكت” التي لا يكاد  يعرف احد ما هي
  • الى آخر قائمه القواعد الموغله في القدم، التي لا زلنا جميعا نلزم انفسنا بها من حيث المبدأ، وإن كنّا لا نستطيع اتقانها على ارض الواقع

من كلّ هذا وغيره تتضح لنا الصوره التاليه: لا يتقن خبايا اللغه العربيه المكتوبه اليوم سوى القلّه المختصّون بها من معلّمي القواعد او اخصّاء النحو او النقد او البلاغه. وهذا الوضع يجلب الى الذهن حاله اللغات الميّته كاللاتينيه والاراميه.

فكيف وصلنا الى هنا؟

للبحث عن اجابه سوف نغوص الى الاعمق، نحو تاريخ اللغه السحيق بل تاريخ اللغات كلها ودوره حياه اللغات الطبيعيه. فتابعونا!

2 comments for “لا احد يجيد قواعد اللغه العربيه

Comments are closed.