عربينا

تساؤلات المغترب حول العربيه في المهجر

الاعتبارات الدينيه

بمحض الصدفه تتزامن هذه المقاله مع اكتشاف مخطوطه قرآنيه اثريه في مكتبه جامعه Birmingham البريطانيه. تحتوي المخطوطه على اجزاء من سوره طه، ومريم، والكهف. وكشف التأريخ الكربوني عن انه هذه المخطوطه هي ربما الاقدم في العالم، كاتبها قد يكون عاصر الرسول نفسه اي انه من جيل المسلمين الاول. وهذه المخطوطه هي كنز تاريخي ثمين بلا شك ولكنها ايضا مثال ممتاز للنقطه التي اسوقها اليكم اليوم.

لقد تعمّدنا حتّى الان تجنب الحديث عن اي اعتبارات دينيه داعمه او معارضه لمشروع عربينا. وذلك لأن الدين في الاساس هو مجموعه من المسلّمات، وعربينا مشروع مبني بالكامل على البحث الموضوعي. والبحث الموضوعي لا يتفاعل في العاده مع المسلّمات ولا يعرف كيف يتعامل معها.

امّا وقد وصلنا الى مرحله تفصيل قواعد كتابه عربينا، وبما ان الدين عنصر اساسي لدى نسبه ضخمه من الناطقين بالعربيه، لا بد لنا ان نجيب على تساؤل جوهري لدى غالبيه المتدينين:

كيف لنا ان نغيّر الكتابه العربيه وهي لغه القران ولغه التراث الاسلامي المقدسّ كافه؟

لحسن الحظ، فالجواب موجود وبسيط. فلنعد الى المخطوطه القرانيه القديمه، ونضعها جنبا الى جنب مع نفس النص كما هو مكتوب في المصحف الحديث:

والسؤال كالتالي – اذا اتينا (في تجربه ذهنيه) بكاتب النص القديم، وهو في الغالب أحد كَتَبه الوحي الاصليين او أحد النَسَخه الأوائل، وواجهناه بالنص الحديث وطلبنا منه ان يقرأه. هل يا ترى سيتمكن من قراءته؟

غالب الظن انه سينظر الى النص الحديث وسيقول: “ما هذا؟ ليس هذا بنقش عرب”، او شيئا من هذا القبيل. وعلي ايه حال فإن احدا من كَتَبه الوحي الاصليين لن يتمكن من قراءه النص القراني الحديث. بل لن يستطيع ان يميّزه ككتابه عربيه اصلا، لأن الكتابه مرّت بتغيرات جذريه عبر العصور التي تلت عصر فجر الاسلام، ونتجت عن تراكم تلك التغيرات عمليا طريقه كتابه عربيه جديده بالكامل – وإن كان الناس في الغالب يتحدّثون عن الخط القديم والخط المعاصر، فالحقيقه ان الاختلافات بين النص القراني القديم والحديث تتعدى الخط {font} لتمسّ طريقه الكتابه بالكامل {script} وحتّى بنيه اللغه {syntax}.

وحتّى لا نلقي الاحكام دون ادلّه، اليك قائمه بتغييرات على طريقه الكتابه وجدتها في غضون خمس دقائق من مقارنه المخطوطه القديمه بالمصحف الحديث:

 

نوع التغيير  امثله
احرف اختلف رسمها
  • شكل الياء المقصوره مختلف تماما
  • شكل الميم اخر الكلمه مختلف
  • حرف الراء/زين القديم مماثل لحرف الدال المعاصر
  • وحرف الدال القديم له زائده عموديه غير موجوده اليوم
  • حرف الكاف اخر الكلمه كان مماثلا لشكله وسط الكلمه

ملامح كتابيه اختلفت بالكامل

  • النقاط غير موجوده
  • الحركات غير موجوده بالمرّه
  • الشدّه غير موجوده (وهي حرف وليست حركه)
  • مفهوم الهمزه غير موجود اصلا {الاسما الحسنى، اذ را نارا}

اختلافات في هجاء الكلمات

بعض الكلمات كانت فيها احرف تلفظ ولا تكتب، ثم مع الزمن اصبحت الاحرف تكتب (اي ان هجاء تلك الكلمات تطور عبر العصور) ربما لتجنّب الغموض والتسهيل على الاعاجم {فقل لاهله – الف ناقصه، يوم القيمه – الف ناقصه، وازددوا تسعا – الف ناقصه}

اختلافات في بنيه الجمل {syntax}

  • حرف النداء “يا” لم يكن موجودا ككلمه منفصله، بل كان حرف “ي” يتصل بالكلمه ليفيد النداء، تماما كما تلتصق ال التعريف بالكلمه. {يموسى}
  • الارقام الهنديه اضافه اعجميه دخلت على النص القرآني بعد فجر الاسلام بكثير، بهدف تسهيل استعمال القرآن كمرجع {referencing}

 الغايه من كل ما سبق هو الاجابه على من يعارض تحديث الكتابه العربيه بحجّه الحفاظ على النصوص الدينيه وعلى رأسها النص القرآني:

اذا كانت الكتابه العربيه نفسها مقدّسه، فلماذا لم يحافظ عليها السلف الصالح من المسلمين اصلا؟ بل تعمّدوا أن يطوّروها ويحدّثوها عبر العصور، معيدين في ذلك نسخ القرآن نفسه المرّه تلو المرّه بكتابه محدّثه كل مرّه؟

من الواضح اذا ان القداسه تشمل الكلمات، وربما اللفظ، ولكنها لا تشمل الكتابه اي طريقه رسم الكلمات على الورق والرقاع. فإذا اخذنا اذا بطريقه الكتابه الحاليه وأعدنا ابتكارها بطريقه تضمن الحفاظ على النص الاصلي بكلماته ولفظه ومعناه، فنحن حينها لا نمس قداسه النص بسوء، بحسب اعتقاد اجيال المسلمين السالفه.

بل على العكس، فتحديث الكتابه عمليّه ضروريه للحفاظ على النص عبر العصور. ولولا تلك الضروره لما شرع المسلمون بتحديث الكتابه العربيه في زمانهم اصلا. وما نقاط الاعجام او نقاط (وبعدها حركات) الاعراب، وما حرف الشدّه او المدّه او الهمزه، الا تحديثات هدفها المحافظه على النص الديني من لحن الاعاجم الذين دخلوا في مجتمع المسلمين افواجا عبر العصور.

ونحن في عربينا، نحاول ان نحافظ على التراث العربي المكتوب، دينيا كان ام ادبيا ام تاريخيا، من لحن “الاعاجم” الذين هم ابناؤنا في الغربه. ونحن في ذلك نسير على نهج السلف الصالح الذين لم يبخلوا جهدا ولم يخافوا لومه لائم ولم تردعم في تفانيهم في الحفاظ على اللغه تحديات الكارهين للتغيير او المتسرعين في كيل الاتهامات بالضلاله لكل مبتدع.

ونحن اذا اخلصنا لهدفنا، قد نتوفق في بناء جسر يربط ابناء المغتربين بالنص القرآني وغيره من النصوص الدينيه والعربيه بعدما كانوا بعيدين عنه، تفصلهم عنه هوّه الكتابه العربيه التقليديه صعبه التعلّم. وما ينطبق على العربي المغترب، قد ينطبق ايضا على المسلم غير العربي والذي يفصله عن كتابه المقدّس وتراثه الديني حاجز اللغه. بل وقد ينطبق ايضا على الاعجمي الاوروبي او الامريكي الذي لا مجال اليوم لتعليمه العربيه اصلا بسبب صعوبات اولها صعوبه الكتابه والقراءه.

نحن اذا نحاول ان نفتح الابواب على النص العربي ليصل الى اكبر عدد ممكن من العقول دون حاجه للترجمه. وما بعد ذلك من فعل النص على العقول فهو مهمّه محتوى النص نفسه ولا علاقه لنا به، فتابعونا!