استكمالاً للحوار حول جدوى او عبثيه تعليم لغتنا العربيه لاطفالنا نحن المغتربون العرب، وجدت ردود جميع القرّاء مع ضروره توريث العربيه للاطفال، مع ان معظم القرّاء يقرّون بكل السلبيات التي ذكرتها سابقا. اعتقد ان القصه ببساطه تتلخص في ان الدافع العاطفي اقوى من كل الاعتبارات المنطقيّه: هم اطفالنا وهي لغتنا الام – ونحن نريدهم ان يخاطبونا بها، بغضّ النظر عن كل الصعوبات والسلبيّات والعوائق!
هي الانانيّه اذاً، ولتكن فوق كل الاعتبارات. نلبسها ربّما ثوب القوميّه او حب الغير او توارث الحضاره.
فإذا استسلمنا نحن العرب المغتربون لانانيّتنا، وقررنا تعليم العربيه لاطفالنا، عندها يقودنا التسلسل المنطقي للافكار الى التساؤل: كيف نفعل ذلك؟
فالطفل في امريكا او اوروبا يمضي يومه الدراسي بالكامل في تعلم مهارات وعلوم مجتمعه. ومن غير المعقول ان نكلّفه ببصم قواعد الهمزه، أو اشكال الحروف بحسب موقعها في الكلمه، او العدد والمعدود، او النحو او الاعراب او البلاغه اوغيرها من القواعد المعقّده بغير لازمه، في مدرسه خاصّه على حساب عطله نهايه الاسبوع مثلا، بينما اقرانه من غير العرب يستثمرون هذا الوقت في ممارسه الهوايات والتعارف وتنميه المواهب والترفيه عن انفسهم.
اقول هذا من غير المعقول. ولكنه علاوه على ذلك من غير الناجح على المدى البعيد. فإذا كان الهدف هو ابقاء اللغه العربيه على قيد الحياه في المهجر، فإن تعليمها على هذا النحو قد فشل في تحقيق الهدف بلا شك: ربّما تستطيع ان توّرث اللغه لاطفالك بهذه الطريقه ولكن ماذا عن اطفالهم؟ ماذا عن الجيل الثالث او الرابع؟
من خبرتي الشخصيّه بعد نحو 18 عاماً في المهجر، اعتقد ان حوالي نصف العرب من الجيل الثاني من المغتربين الذين درسوا العربيه في مدرسه خاصه لا يتقنون القراءه ولا الكتابه. هذا الجيل الثاني. اما الجيل الثالث، فلا اكاد اذكر انني التقيت ابداً بمن يتقن القراءه اوالكتابه بالعربيه منهم. امّا الجيل الرابع فلا احد منهم يتكلم العربيه اصلا الاّ بضع مفردات او عبارات معدوده. قد يكون الوضع افضل بقليل في اوروبا بحكم القرب الجغرافي من الوطن العربي، ولكنني اظن ان نفس المشكله موجوده مبدأيّاً في كل البلدان الغربيه.
اذا كان الوضع على هذه الحال، فبإمكاننا باستخدام الاستقراء المنطقي فقط ان نتوصل الى استنتاج محزن:
تعليم العربيه للاطفال المغتربين بشكلها الحاليّ عن طريق مدرسه خاصّه، مشروع مرّجح للفشل. وإن امكننا توريث العربيه للابناء بهذه الطريقه فلن يمكننا توريثها للاحفاد او اولاد الاحفاد.
دعونا نتبع هذه الفكره على امتدادها كخطّ مستقيم: اذا لم نجد قالباً افضل لتعليم العربيه فجهدنا في الغالب عبث، وعلى المدى البعيد اقرأ على لغتنا السلام.
من هنا تتبلور في اعتقادي مسؤوليه جديده، تتعدّى تعليم العربيه:
علينا نحن المغتربون مسؤوليه تحويل مصيبه تعليم العربيه الى مشروع سهل سلس يتقبله الطفل بعفويّه وبدون جهد مضنٍ كالذي تكبدّناه نحن على مقاعد الدراسه الابتدائيه والاعداديّه.
ولكن، كيف؟؟
قبل الحصول على اجابه، علينا ان نغوص في عمق اللغه نفسها، صوتاً ورسماً وقالباً وتاريخاً: ما الذي يجعل لغتنا صعبه التعلّم في دنيا الغرب الى هذا الحدّ؟