التالي ليس مقالا بقدر ما هو دعوه للتفكير الجماعي. سؤال يلحّ على مغترب حديث العهد بالابوه، يحتاج الى قدر كبير من التفكير الجماعي للوصول الى جواب حكيم: هل نعلّم اولادنا وبناتنا العربيه؟
نون الجماعه في السؤال تعود علينا نحن العرب المغتربون في بلدان غير عربية، خصوصا في اوروبا واستراليا وامريكا الشماليه، حيث اللغات الدارجه لا تمت للعربيه بصله.
بابتعاد متعمَّد عن ايه اعتبارات دينيه، وبموضوعيه بارده كالثلج بعيدا عن حراره العواطف الجياشه او العبارات الرنانه او الخطابه البليغه او مواضيع التعبير اياها: هل نعلّم اطفالنا العربيه؟ ولماذا؟
لماذا نعلّم العربية؟
- اللغه مفتاح الثقافه، ولا يمكن تعريف الطفل على الموروث الثقافي العربي اذا لم يكن يتكلمها بطلاقه. والموروث الثقافي العربي غزير ووافر، وغني بالشعر والروايه والاغنيه، والفكر والتأريخ والفلسفه. فلماذا نحرم اطفالنا من منبع ثقافي في متناول ايديهم؟
- الطمع في قناه تواصل شخصيه مع اطفالنا. الطمع هنا وصف دقيق ولائق. هي نزعه انانيه: لا يمكن لاطفالنا ان يعرفونا تماما اذا لم يكونوا يجيدون لغتنا الام. فلماذا نرضى بحاجز لغوي بيننا وبين احب الناس الينا؟
- كي لا يضيع نتاجنا الفكري. فاذا نحن كتبنا او غنينا او نظمنا بالعربيه، ثم لم يقرأ الاطفال ولم يغنوا ولم ينشدوا، فلم اذا كان تعبنا؟ ولمن كان نتاجنا؟
- لكي يبقى الحلم على قيد الحياه. حلمنا بأن تنهض الامه العربيه نهضه العنقاء من رمادها، وتعود فترتقي الى مصاف الحضارات العظمى. وهذه اضغاث احلام بالفعل ولكن ما المانع من الحلم؟ ولماذا نحجر على اللغه فنضرب بذلك مسمارا في نعش احلامنا بأيدينا؟ أولا يزال الغجر والاكراد يحافظون على حلمهم القومي مع انهم انكى حالا منا في التشرذم والتردي؟ ثم ان التاريخ يحفل بالفعل بمعجزات من هذا الطراز، كمعجزه بعث القوميه اليهوديه في القرن العشرين، او معجزه بعث القوميه البرتغاليه في القرن الرابع عشر
- الطمع في قناه تواصل مع الاقارب من العائله الممتده. فمن منا لا يريد لاطفاله ان يعرفوا رفاق طفولته معرفه حقيقه تتعدى نطاق المجاملات القتضبه بلغه غربيّه لا يستطيع ان يستعملها الاهل والاقارب كجسر لصداقه حقيقيه مع ابنائنا؟
لماذا لا نعلّم العربية؟
- لان الطفل ليس بحاجه لها. بإمكان الطفل في اوروبا او استراليا او كندا مثلا ان يعيش حياته كامله بطولها وعرضها دون ان يحتاج للنطق بكلمه عربيه واحده. هي لغه غير دارجه، غير عالميه، الكل ينطق بغيرها، حتّى العرب فغالبيتهم الساحقه تجيد لغه اخرى بالاضافه للعربيه. هي لغه لا حضور لها في الاوساط العلميه او بين النخب الفكريه، لا يكاد يكتب بها شيء يذكر في العالم المعاصر. أليس الاحرى بنا ان نزوّد اطفالنا بلغات مفيده لهم، وهي كثيره، بدلا من حشو عقولهم بما لا يفيدهم وانما يرضي غرورنا ويشبع انانيتنا فقط؟
- لان وقت الطفل ثمين، فنحن نهيئه لمنافسه ضاريه مع اقرانه من ابناء جيله، منافسه على العمل والانتاج والابداع. منافسه على الصداره وعلى الموارد وعلى النجاح بكل اشكاله. كل ساعه يمضيها الطفل في تعلم مهاره غير لازمه للمنافسه (كمهاره اللغه العربيه) هي ساعه مضاعه كان من الممكن ان يقضيها الطفل في تعلم لغه عالميه، او علم نافع، او في تنميه المواهب كالرسم او العزف او الكتابه او الرياضه، او حتى في اللعب من اقرانه لتنميه ذكائه الاجتماعي. مرحله الطفوله مورد ثمين يجب التعامل معه باقتصاد، وبالتالي فإن كل نشاط يستهلك وقت الطفل وجهده بحاجه لمبرر يتناسب طرديا مع كميه الاستهلاك
- لان العربيه المكتوبه لغه خشبيه متحجّره مقارنه بلغات كثيره منافسه. اللغه العربيه ليست سهله التعلم مقارنه بلغات اخرى كثيره، ولهذا اسباب وتفاصيل عديده سوف نخوض بها لاحقاً. اما المهم في هذا المقام فهو ان الجهد المتطلب لتعلم لغه كالعربيه كبير جدا. واذا كانت الفائده الحاصله للطفل جراء تعلم العربيه لا تتناسب مع الجهد المبذول، فمن الانانيه فرض اللغه على الاطفال بدافع اشباع رغباتنا نحن الوالدين
- لان العربيه بالذات انتهت الى حال عجيب غريب، وهي لغه تواجه محنه وجوديه بعد ان تجمد وجهها المكتوب وانطلق وجهها المحكي يتغير ويتطور بشكل طبيعي مع مرور القرون، حتى اصبحت “العربيه” مزيجاً من لغه مكتوبه لا حياه لها على ألسنه الناس، ولغات متعدده شفهيه لا وجود لها في وسائل الاتصال المكتوبه. فاللغه عاده لفظ ورسم متطابقان. اما العربيه فهي مصابه بانفصام مزمن. فهي رسم لا لسان له، ومجموعه كبيره من اللسن التي لا رسم لها. فلماذا اذا نورث اطفالنا مصيبه من هذا الطرز؟ وايه لغه نعلمهم؟ انعلمهم اللغه الفصحى فإذا بهم لا يستطيعون ان يطلبوا وجبه مطعم في اي بلد عربي؟ ام نعلمهم لغه عاميه فإذا بهم لا يستطيعون قراءه مقال في ايه جريده عربيه او فهم نشره اخبار في ايه قناه عربيه؟
اما انت فما رأيك؟
4 comments for “هل نعلّم اطفالنا العربية؟”