“The simple truth is that all languages change, all the time – the only static languages are dead ones.” – Guy Deutscher
تكلمت في مقال سابق عن ظاهره عدم اجاده العربيّ لقواعد لغته الرسميه المكتوبه. وللامانه فقد تعمّدت المبالغه في تخصيص هذه الظاهره على اللغه العربيه وحدها، وكأن باقي اللغات المعاصره تعيش في انسجام وتطابق تام بين اللغه المحكيه الدارجه واللغه الرسميه المكتوبه. وهذا ليس صحيحا، فالواقع ان كل اللغات تعاني من تخلّف اللغه الرسميه عن مواكبه تطورات اللغه المحكيه الى حد ما، وان كان مقدار الشرخ بينهما يختلف من لغه الى اخرى، ويصل في حاله اللغه العربيه الى وضع اشكالي.
وانا كنت قد تعمدت اغفال هذه النقطه كيلا ابتعد كثيرا عن سياق المقال. امّا وقد وصلنا الى السياق المناسب لبحث هذه الظاهره، فلنأخذ اللغه الانجليزيه كمثال:
تستصعب ابنتي (وهي امريكيه في الصف الاول الابتدائي والانجليزيه لغتها الاولى والوحيده) قواعد اللغه الانجليزيه الرسميه، فتخطيء كثيرا في كل من القواعد التاليه وغيرها:
- Plural agreement: “There is a lot of sand and there is a lot of people” –> “There is a lot of sand and there are a lot of people”
- Pronoun agreement: “Me and my friend” –> “My friend and I“
- Relative pronouns: “To whoever I choose” –> “To whomever I choose”
- Double negatives: “We don’t need no education” –> “We don’t need any education”
- Unexpected spelling: Why is there no J in “soldier”?
- Irregular spelling: Why “frequent flyer” and not “frequent flier“
والسبب طبعا ليس تقصيرا او اهمالا وانما السبب ببساطه هو ان اللغه المحكيه (التي تتكلمها ابنتي بطلاقه) لا تعترف باي من هذه القواعد الرسميه. الوضع اذا مناظر لقواعد اللغه العربيه المكتوبه، والتي لا يجيدها العرب اليوم كما اوردت سلفا.
ولكن الفرق الاساسي والمهم هو في المقدار: فاللغه الانجليزيه المحكيّه اليوم تقف على بعد جيل او جيلين فقط من المكتوبه. بمعنى ان جيل الاباء او الاجداد كانوا يتكلمون الانجليزيه تماما كما نكتبها اليوم، ثم حوّر جيل اليوم اللغه المحكيّه ولمّا تتأقلم اللغه الرسميه بعد. وهي (اي اللغه الانجليزيه الرسميه المكتوبه) بلا شك سوف تتأقلم بسرعه كما كانت ولا زالت تتغيّر وتتطور لتجاري التغيرات التي تطرأ على اللغه المحكيه، ولكن اللغه المحكيه تتطور بدورها فتبتعد عنها مجددا وهكذا.
هي اذا عمليّه تغيير مستمرّه على الدوام، يقودها الناطقون باللغه يوميا بدافع العمليّه والمعاصره، وينساق خلفهم الكتّاب والمفكّرون والصحفيون، فتتغير اللغه الرسميه ولوّ بعد تخلّف يقاس ببضعه عقود من الزمان. والنتيجه الحتميه هو ان اللغه (بشكلها الملفوظ والمكتوب معا) تتحوّر عبر العصور بشكل مذهل نحو الاسهل والاسلس والاكثر ليونه.
فالواقع ان اللغه الانجليزيه المكتوبه تحوّرت خلال الالفيه الاخيره من الزمان من لغه صعبه معقّده القواعد (كاللغه العربيه الرسميه اليوم) الى لغه خفيفه سلسه للغايه.
انظر مثلا كيف اختفت قواعد تصريف اواخر الاسماء حسب موقعها من الاعراب:
English ~2000 AD |
English ~1000 AD |
---|---|
the water
|
thœt wœter |
to the water
|
tham wœtere |
of the water
|
thœs wœteres |
the waters
|
tha wœteru |
to the waters
|
tham wœterum |
of the waters
|
thara wœtera |
الا يذكّرك هذا بقواعد تشكيل اواخر الكلمات بالحركات في الفصحى، والتي اختفت تماما واستبدلت بالتسكين في اللغات المحكيّه اليوم؟ والفرق طبعا ان العربيه المكتوبه لا تزال تتمسك بالطريقه القديمه بينما الانجليزيه المكتوبه اذعنت لعوامل “الحت والتعريه” مع الزمن.
وما بالك بجمع التكسير الذي تحول مع الزمن الى جمع سالم بفعل كسل الناس وعدم رغبتهم بحفظ جموع لا تتبع قاعده سهله؟ انظر كيف اصبحت معظم جموع اللغه الانجليزيه خاضعه لقاعده “add S” البسيطه:
Singular | Plural ~1000 AD | Plural ~2000 AD |
---|---|---|
eye |
eyn | eyes |
bōk (book) | bēc (pronounced beek) | books |
cow | kine | cows |
goat | gat | goats |
lamb | lambru | lambs |
house | house | houses |
oak | ack | oaks |
hand | hend | hands |
ولنا ان نتساءل: اذا كانت {book→beek} قد تحولت بفعل الزمن الى {book→books}، اليس من المنطقي ان تتحوّل {foot→feet} الى {foot→foots} بنفس الطريقه ولنفس السبب؟ واذا كانت {house→house} قد رضخت لقاعده “add S” فاصبحت {house→houses}، فكم من الزمن يلزم حتّى تتحوّل {deer→deer} الى {deer→deers} بنفس الاسلوب؟ ان الاطفال في امريكا يستعملون يوميا جموع “خاطئه” مثل {fishes, mouses, gooses}. ولكن هل هذه الجموع فعلا “خاطئه” ام “متطوّره ومبسّطه” على وشك ان تدخل قواعد اللغه الرسميه؟ كذلك هي اليات تطوّر اللغه عبر الاجيال.
بمناسبه كسر قواعد اللغه عمدا على يد ابنائها، طالع معي هذه القصيده الفيروزيه التي رصّعها الشاعر بشاره الخوري بـ”أخطاء” لغويه لذيذه ما زادتها الا رونقا وجمالا:
الصواب | النص | |
---|---|---|
لا تسله ما الخبر | قد اتاك يعتذر | |
اطلت اليه (او معه) الحديث | في الحديث يختصر | كلما اطلت له |
لا يكذب النظر، او ليس النظر بكذاب | ليس يكذب النظر | في عيونه خبر |
ضاع عنده العمر | قد وهبته عمري | |
من شذاه ما نشروا | حبّنا الذي نشروا | |
قبل ان يعقدَ الثمر | قبل يعقدُ الثمر | صوّحت ازاهره |
والممتع ان هذه القصيده ذاع صيتها وأحبها الناس لدرجه ان هذه “الاخطاء” ما عادت اخطاء بنظر العامه. فبدل ان تتحكم اللغه بمسار القصيده، تحكّمت القصيده بمسار اللغه.
ولكي نقدّر مدى تحوّر اللغه بفعل تراكم الطفرات مع مرور الزمن، يمكننا ان نتتبع جمله واحده عبر العصور لنرى كيف تتغير صياغتها من جيل الى جيل. ولحسن الحظ توفّر لنا الكتب المقدّسه احافير لغويه مناسبه جدا لدراسه من هذا النوع:
Genesis 6:6 | |
---|---|
The Lord regretted that he had made human beings on the earth … So God said to Noah: ‘… Make yourself an ark of cypress wood … | New International Version
~2000AD |
It repented the Lord that he had made man on the earth … And God said vnto Noah: ‘… Make thee an arke of gopher wood … | King James Version
~1600 AD |
It forthouȝt him that he had made man in erthe. He seide to Noe: ‘… Make to thee an ark of planed trees … | Wycliffe Version
~1400 AD |
Gode ofðuhte ða ðœt he mann geworhte ofer eorðoan … And God cwœð ða to Noe: ‘Wyrc ðe nu ane arc of aheawenum bordum … | Ælfric Version
~1000 AD |
v=but, ȝ=thought, ð=thought |
لاحظ عمق الاختلافات اللغويه عبر العصور، فهي تتعدى المفردات والتعابير {lexicons} لتطال بنيه الجمل نفسها {syntax} وحتّى الابجديه او طريقه رسم الاصوات على الورق {orthography}. الا يمكن القول اذا ان اللغه الانجليزيه انقلبت الى لغه اخرى بالكامل في غضون الفيّه واحده؟ اذا كنت لا زلت تشكّ في ذلك، ما رأيك ان اللغتين الانجليزيه والالمانيه كانتا لغه واحده قبل الف عام ثم تفرع الناطقون بها في اتجاهين مختلفين فاصبح لهما لغتان الانجليزيه احدهما والالمانيه هي الثانيه؟ انصحك بقراءه هذا الكتاب اذا كنت مهتما بتاريخ اللغه الانجليزيه.
والمذهل ان اللغات على اختلاف اشكالها تتبع في تطوّرها مسارات متشابهه جدا في كثير من الاحيان. انظر مثلا كيف تستبدل لغات عديده صيغه المستقبل عن طريق تحريف فعل الذهاب ليصبح اداه تستعمل مع الفعل المضارع لتبان صيغه المستقبل. فهل هذه صدفه؟
اللغه | صيغه المستقبل التقليديه | صيغه المستقبل الحديثه (لاحظ استخدام فعل الذهاب) |
---|---|---|
English | Thou shall succeed | You’re going to succeed |
French | Vous réussîtes | Tu vas réussir |
العربية | سوف تنجح | (اردن/سويا/فلسطين/لبنان): راح تنجح |
(مصر): حـتنجح |
لا زال لدي الكثير من الامثله ولكن الوقت لا يسمح للكتابه هذا الاسبوع، فلنستكمل استعراض الشواهد على كيفيه تطوّر اللغات عبر الزمن في الاسبوع القادم. فتابعونا!
1 comment for “اللغة كائن حي – 1”